Türkçe
يمثّل الرّمز في الشّعر الصّوفيّ أداة تعبير فنّيّة وروحيّة في آنٍ معاً، يخفي بها الشّاعر ما لا يُقال صراحة، ويكشف من خلالها عوالم الإشراق الباطنيّ والتّجارب الرّوحيّة العميقة. وفي شعر ابن الفارض يغدو الرّمز ضرورة جماليّة وإشاريّة، تفيض عن ظاهر الألفاظ لتُحيل على معانٍ لا تدرك بالحواس، بل بالحدس والذّوق.
يتّخذ ابن الفارض من مفردات المحسوس رموزاً لعلاقات باطنيّة بين العاشق الإنسانيّ والمحبوب الإلهيّ، فالحبيب في شعره يكون الذّات الإلهيّة المتجلّية في صور الجمال، والخمرة رمزٌ للمعرفة اللّدنيّة، والعِذار شُعاع من الجمال الإلهيّ تحرق قلب السّالك.
بهذا التّرميز يُخرِج ابن الفارض الشّعر من ضيق العبارة إلى فسحة الإشارة، والرّمز عنده ليس زينة بل ضرورة، لأنّه يعالج تجارب لا يمكن للّغة المباشرة أن تفي بحقّها، مثل الفناء، والشّوق، والتّجلّي، والوصال الرّوحيّ، وغيره.
إنّه شعر يُقرأ بعين القلب، ويُفَكّ بأدوات الذّوق، ويُذاقُ أكثر ممّا يُفهم؛ لأنّ رموزه ليست غموضاً مفتعلاً، بل مفاتيح لعوالم لا تُرى إلّا بعد الغياب عن النّفس والانغماس في المحبوب.